أهوال يوم القيامة في الإسلام

كيف يكون يوم القيامة؟

يعد يوم القيامة في العقيدة الإسلامية من أعظم الأيام التي سيتعرض لها الإنسان على الإطلاق، وهو اليوم الذي ينقضى فيه الزمن ويحدث فيه الحساب النهائي لكل فرد على وجه الأرض. يصوّر القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة هذا اليوم بوضوح، حيث تتضافر النصوص السماوية لتصف فظاعة ما سيحدث فيه، كما تؤكد على أنه يوم الفصل بين الحق والباطل، والعدل والإجحاف، ويكون فيه حساب كل شخص على أعماله، كما يتم تحديد مصيره إلى الجنة أو النار.

التصور العام ليوم القيامة في الإسلام

في الإسلام، يعتبر يوم القيامة يومًا واحدًا، لكن أحداثه تشتمل على العديد من المراحل التي تتداخل مع بعضها البعض. يبدأ هذا اليوم بعد انتهاء الحياة الدنيا، حيث يحين موعد النفخ في الصور ليبدأ العالم في التدمير.

1. النفخ في الصور

في بداية يوم القيامة، يقوم الملك إسرافيل بالنفخ في الصور مرتين؛ المرة الأولى تكون للبعث، أي لاستيقاظ الأموات من قبورهم ليقوموا للحساب. كما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: “وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّماواتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ” (النمل: 87).

وفي هذه اللحظة، يتوقف الزمن وتنقلب كل الأمور على الأرض. عند النفخة الثانية في الصور، تتحقق النهاية الحتمية للأحياء والموتى، ويتم تدمير الكون.

2. القيام من القبور

بعد النفخة الأولى، يبعث الله الناس من قبورهم فيحشرون في مكان عظيم، لا يستطيع أحد أن يتخيله. يخرج الناس من قبورهم على هيئات مختلفة، فيهرولون على غير هدى، وكأنهم لا يعرفون أين يذهبون أو ماذا يفعلون. قال تعالى: “يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنْ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ” (الحج: 2).

في هذا الوقت، يتم الحساب بناءً على الأعمال التي قام بها الإنسان في الدنيا، فالجميع سيتعرضون لحالة من التوتر والقلق العارم، وكل فرد في هذا اليوم يمر بتجربة فريدة من نوعها تعكس مصيره الأبدي.

3. الحساب والميزان

من اللحظات التي تثير الخوف والرجاء في قلب كل مسلم هي لحظة الحساب، حيث يتوقف الجميع أمام الله سبحانه وتعالى ليحاسبهم على أعمالهم. يصحبه ميزان عظيم توزن فيه أعمال البشر، وفيه تتضح مصائرهم. قال تعالى: “فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمْ ٱلْمُفْلِحُونَ وَمَن خَفَّتْ مَوَازِينُهُۥ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوا۟ أَنفُسَهُمْ فِى جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا”(المؤمنون: 102).

عند حساب الناس، يتم وضع أعمالهم في كفة، وكل عمل صغير أو كبير سيكون له أثر في تحديد المصير. في هذا السياق، فإن الميزان يشير إلى العدل الإلهي الذي لا يظلم فيه أحد، بل كل شخص يُجازى بحسب ما قدمه في حياته.

4. الصراط والجسر

من بعد الحساب، يمر الناس على صراط الله المستقيم، وهو جسر ممدود فوق جهنم. يعد الصراط أصعب من أي تحدٍ آخر، حيث إنه رقيق جدًا ومعلق في السماء، وهو طريق بين الجنة والنار. وعبر هذا الصراط يسير الناس بسرعات مختلفة بحسب أعمالهم، فالأبرار يمرون بسرعة دون أي خطر، بينما الآخرون يواجهون مخاوف وعقبات في طريقهم، وبعضهم قد يسقطون في النار بسبب خطاياهم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصراطُ جسرٌ على جهنم، عليه زللٌ، عليها خطاطيفُ كأمْثالِ الشَّوكِ، مَن مرَّ عليه نجا، ومَن تعثر هلك” (صحيح مسلم). ويعتبر الصراط آخر مرحلة فاصلة في مصير الإنسان.

5. الجنة والنار

في نهاية هذا اليوم العظيم، تُقرر مصائر الناس، فينقسمون إلى فريقين؛ فريق يدخل الجنة وفريق يدخل النار. الجنة هي دار النعيم الأبدي التي أعدها الله لعباده الصالحين. فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا” (الكهف: 107).

أما النار، فهي مكان العذاب الأبدي للكفار والمنافقين والمجرمين، وهم يلقون فيها جزاء أعمالهم السيئة. وصفها القرآن الكريم بأنها “إِنَّ جَهَنَّمَ لَشَارِقَةٌ * تَأْكُلُهُ وَحَشًا”(المعارج: 15-16)، موضحًا شدّة العذاب فيها.

6. التسوية والعدل الإلهي

من أهم ما يميز يوم القيامة في العقيدة الإسلامية هو العدل الكامل الذي يعم فيه هذا اليوم، فلا يظلم فيه أحد. الله تعالى هو أعدل العادلين، وسيحاسب الناس بما استحقوه وفقًا لأعمالهم دون تمييز. سيكون كل فرد أمام الله بمفرده، لا يستطيع أحد أن يحمل عنه شيئًا، بل لكل شخص حسابه الخاص. هذا العدل الإلهي يتجلى في الميزان، حيث لا يضيع أي عمل مهما كان صغيرًا.

كما أن من مظاهر العدالة، أن الله سبحانه وتعالى سيكون على علم تام بكل ما فعله الإنسان، بما في ذلك النيات والأفكار، ولذلك يحقق تمام الحساب دون أن يظلم أحدًا.

7. الشفاعات

من المواقف التي تحدث في يوم القيامة هو أن الله تعالى يتيح بعض الشفاعات للمؤمنين الذين تتوسل لهم الملائكة أو النبي صلى الله عليه وسلم ليشفعوا فيهم. ولكن الشفاعة لا تُقبل إلا لمن رضي الله عنهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لكل نبي دعوة مُستجابة، وقد اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة” (صحيح مسلم). وهذه الشفاعة تأتي في مرحلة ما بعد الحساب، حيث يشفع النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين كي يخفف عنهم العذاب.

8. أهوال يوم القيامة

يُذكر أن الأهوال التي سيواجهها الناس في هذا اليوم عظيمة للغاية. هذا اليوم سيكون أطول من آلاف السنين في نظر البشر، كما وصفه الله تعالى في كتابه الكريم: “تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ” (السجدة: 16). فالتوتر والقلق سيكونان في ذروتهما.

9. النجاة والتوفيق

النجاة في يوم القيامة تعتمد على طهارة القلب، والعمل الصالح، والإيمان بالله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له به طريقًا إلى الجنة” (صحيح مسلم). فالطريق إلى الجنة محفوف بالعمل الصالح والإيمان الصحيح، ويكون الإنسان في ذلك اليوم في حاجة ماسة إلى عناية الله ورحمته.

ختامًا، يعد يوم القيامة أكبر مواقف الخلق في تاريخ الحياة البشرية، الذي لا يمكن لأحد أن يتخيل ما فيه من أحداث عظيمة، لكنه يظل من العقائد الثابتة التي لا بد لكل مسلم أن يؤمن بها ليكون له مصير أفضل في الآخرة.